فصل: فصل: وكذلك ابنا الجلندي ملكا عمان وما حولها من ملوك النصارى أسلما طوعا واختيارا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (نسخة منقحة)



.(النجاشي ملك الحبشة):

ولما عرف (النجاشي ملك الحبشة) إن عباد الصليب لا يخرجون عن عبادة الصليب إلى عبادة الله وحده أسلم سرا، وكان يكتم أسلامه بينهم هو أهل بيته ولا يمكنه مجاراتهم ذكر ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه مكانه يدعوه إلى الإسلام، فقال له عمرو: يا أصحمة! علي القول وعليك الاستماع: إنك كأنك في الرقة علينا منا وكانا في الثقة بك منك لانا لم نظن بك خيرا قد إلا نلناه، ولم نخفك على شيء قط إلا أمناه، وقد أخذنا الحجة عليك من فيك الإنجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد وقاض لا يجور، وفي ذلك موقع الحز وإصابة المفصل، وإلا فأنت في هذا النبي الأمي كاليهود في عيسى ابن مريم، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم رسله إلى الناس فرجاك لما لم يرجهم له، وأمنك على ما خافهم عليه لخبر سالف وأجر منتظر، فقال النجاشي: أشهد بالله إنه للنبي الأمي الذي ينتظره أهل الكتاب، وإن بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل، وإن العيان ليس بأشفى من الخير.
قال الواقدي: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة: أسلم أنت فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن، واشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، حملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده وإن أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وإن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله إليك، وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى».
فكتب إليه النجاشي: بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله، من النجاشي أصحمة، سلام عليك يا نبي الله من الله وبركات الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فلقد بلغني كتابك فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السماء والأرض إن عيسى لا يزيد على ما ذكرت تفروقا، إنه كما ذكرت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقد قربنا ابن عمك وأصحاب، فاشهد إنك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت علي يده لله رب العالمين.
والتفروق: علامة تكون بين النواة والتمرة.

.فصل: وكذلك ملك دين النصرانية بمصر عرف أنه نبي صادق:

ولكن منعه من اتباعه ملكه وإن عباد الصليب لا يتركون عبادة الصليب، ونحن نسوق حديثه وقصته، قال الواقدي كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بداعية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم القبط {يا أَهلَ الكِتابِ تَعالوا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَينَنا وبَينَكُم أََن لا نَعبُدَ إِلا اللَهَ وَلا نُشرِكَ بِهِ شَيئاً وَلا يِتَخِذ بَعضُنا بَعضاً أَربابا مِن دونِ اللَه فإن تَولوا فَقولوا اِشهَدوا بِأَنا مُسلِمون}» وختم الكتاب فخرج به حاطب حتى قدم عليه الإسكندرية، فانتهى إلى حاجبه فلم يلبثه أن أوصل إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال حاطب للمقوقس لما لقيه إنه قد كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى {فَأَخَذَهُ اللَهُ نَكالَ الآَخِرَةِ وَالأَولى} فانتقم به ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك ولا يعتبر بك غيرك، قال: هات، قال إن لنا دينا لن ندعه إلا لما هو خير منه وهو الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه، إن هذا النبي دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش وأعداهم له يهود وأقربهم منه النصارى، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، ولك نبي أدرك قوما فهم من أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، فأنت ممن أدرك هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح ولكنا نأمرك به، فقال المقوقس: إني قد نظرت في أمر هذا النبي فرأيته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهى عن مرغوب عنه، ولم أجده بالساحر ولا الضال ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آلة النبوة من إخراج الخبء والأخبار بالنجوى، ووصف لحاطب أشياء من صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: القبط لا يطاوعونني في اتباعه، ولا أحب أن تعلم بمحاورتي إياك، وأنا اضن بملكي أن أفارقه، وسيظهر على بلادي وينزل بساحتي هذه أصحابه من بعده، فارجع إلى صاحبك، وأخذ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فجعله في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جارية له، ثم دعا كاتبا له يكتب بالعربية، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، لمحمد بن عبد الله، من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعوا إليه وقد علمت أن نبيا بقي، وكنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبكسوة وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام عليك، ولم يزد: (والجاريتان) مارية وسيرينك (والبلغة) دلدل، وبقيت إلى زمن معاوية، قال حاطب فذكرت قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ضن الخبيث بملكه، ولا بقاء لملكه».

.فصل: وكذلك ابنا الجلندي ملكا عمان وما حولها من ملوك النصارى أسلما طوعا واختيارا:

ونحن نذكر قصتهما وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما، وهذا لفظه: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعبيد ابني الجلندي، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعو كما بداعية الإسلام، أسلما تسلما فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما مكانكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما، وخيلي تحل بساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما، وختم الكتاب وبعث به مع عمرو ابن العاص، قال عمرو: فخرجت حتى انتهيت إلى عمان فلما قدمتها انتهيت إلى عبيد وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقا، فقلت: إني رسول رسول الله إليك وإلى أخيك، فقال أخي المقدم علي بالسن والملك، وأنا أوصلك غليه حتى يقرأ كتابك، ثم قال لي: وما تدعو إليه، قلت أدعوك إلى الله وحده لا شريك له وتخلع ما عبد من دونه، وتشهد أن محمدا عبد ه ورسوله، قال يا عمرو إنك سيد قومك فكيف صنع أبوك فإن لنا فيه قدوة؟ قلت مات ولم يؤمن بمحمد ووددت أنه كان أسلم وصدق به، وكنت أنا على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام، قال فمتى تبعته قلت قريبا، فسألني أين كان إسلامي فقلت عند النجاشي وأخبرته أن النجاشي قد أسلم، قال فكيف صنع قومه بملكه؟ قلت أقروه، قال والأساقفة والرهبان؟ قلت نعم، قال انظر يا عمرو ما تقول انه ليس خصلة في رجل أفضح له من كذب، قلت ما كذبت وما نستحله في ديننا، ثم قال ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشي، قلت بلى، قال بأي شيء علمت ذلك؟ قلت كان النجاشي يخرج له خراجا فلما أسلم وصدق بمحمد قال لا والله لو سألني درهما واحدا ما أعطيته، فبلغ هرقل قوله فقال له نياق أخوه: أتدع عبدك لا يخرج لك خراجا ويدين دينا محدثا؟ قال هرقل: رجل رغب في دين واختاره لنفسه ما أصنع به، والله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع، قال انظر ما تقول يا عمرو؟ قلت والله لقد صدقتك، قال عبد فاخبرني ما الذي يأمر به وينهى عنه؟ قلت يأمر بطاعة الله عز وجل وينهى عن معصيته، ويأمر بالبر وصلة الرحم وينهى عن الظلم والعدوان، وعن الزنا وشر الخمر، وعن عبادة الحجر والوثن والصليب، فقال ما أحسن هذا الذي يدعو إليه لو كان أخي يتابعني لركبنا حتى نؤمن بمحمد ونصدق به، ولكن أخي أضن بملكه من أن يده ويصير دينا، قلت إنه إن أسلم ملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه فأخذ الصدقة من غنيهم فردها على فقيرهم، قال إن هذا لخلق حسن، وما الصدقة؟ فأخبرته بما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقات في الأموال حتى انتهيت إلى الإبل فقال يا عمرو ويؤخذ من سوائم مواشينا التي ترعى الشجر وترد المياه؟ فقلت نعم، فقال والله ما أرى قومي في بعد دارهم وكثرة عددهم يطيعون بهذا، قال فمكثت ببابه أياما وهو يصل إلى أخيه فيخبره كل خبري، ثم إنه دعاني يوما فدخلت عليه فأخذ أعوانه بضبعي فقال دعوه فأرسلت، فذهبت لأجلس فأبوا أن يدعوني أجلس، فنظرت إليه فقال تكلم بحاجتك، فدفعت إليه الكتاب مختوما ففض خاتمه فقرأه حتى انتهى إلى آخره، ثم دفعه إلى أخيه فقرأه مثل قراءته إلا أني رأيت أخاه أرق منه، ثم قال: ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت؟ فقلت اتبعوه إما راغب في الإسلام وأما مقهور بالسيف، قال ومن معه؟ قلت للناس قد رغبوا في الإسلام واختاروه على غيره وعرفوا بعقولهم مع هدى الله إياهم إنهم كانوا في ضلال، فما أعلم أحدا بقي غيرك في هذه الحرجة، وأن أنت لم تسلم اليوم وتتبعه يوطئك الخيل ويبيد خضرائك، فأسلم تسلم ويستعملك على قومك ولا تدخل عليك الخيل والرجال، قال دعني يومي هذا وارجع إلىّ غدا، فرجعت إلى أخيه فقال يا عمرو إني لأرجو أن يسلم أن يسلم إن لم يضن بملكه، حتى إذا كان الغد أتيت إليه فأبي أن يأذن لي فانصرفت إلى أخيه فأخبرته إني لم يضن بملكه، حتى إذا كان الغد أتيت إليه فأبى أن يأذن لي فانصرفت إلى أخيه فأخبرته أني لم أصل إليه فأوصلني إليه، فقال إني فكرت فيما دعوتني إليه فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجلا ما في يدي وهو لا يبلغ خيله ههنا، وإن بلغت خيله ألفت قتالا ليس قتال من لاقا، قلت وأنا خارج غدا، فلما أيقن بمخرجي خلا به أخوه فقال ما نحن فيما قد ظهر عليه، وكل من أرسل إليه قد أجابه، فأصبح فأرسل إلي فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعا وصدقا النبي صلى الله عليه وسلم، وخليا بيني وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم وكانا لي عونا على من خالفني.